عدة مراحل تاريخية سجلت تطور وتدهور العلاقة بين حكام مصر والمقر البابوى، البعض اعتبر المقر داراً لتأدية واجب العزاء مثل الرئيس المعزول حسنى مبارك الذى زارها مرتين، ومنهم من اعتبرها نداً مثل الرئيس الأسبق أنور السادات الذى زارها مرة واحدة، أو إحد أدوات القوة الناعمة لمصر مثل الرئيس جمال عبدالناصر، الذى زارها مرتين، أو تعامل معها ومع أعيادها من منطلقات دينية متشددة تحرم تهنئة المسيحيين بأعيادهم كما فعل الرئيس المعزول محمد مرسى. لكن واحدًا من الرؤساء الأربعة لم يزر الكنيسة لتهنئة المسيحيين بعيد ميلاد أو قيامة، كما فعل الرئيس المؤقت عدلى منصور أمس الأول.
البداية مع ثورة يوليو حينما أصبحت مصر ورئيسها جمال عبدالناصر محطا لأنظار العالم بقراراته الثورية ومشروعه للوحدة العربية، والتى سبقها مشروع واضح المعالم للوحدة بين مسلمى مصر ومسيحييها. عمق هذا المشروع الصداقة الشخصية التى ربطت بين الزعيم السياسى جمال عبدالناصر ورأس الكنيسة القبطية البابا كيرلس السادس.
كان عبدالناصر يعرف قيمة الكنيسة المصرية ومكانتها الروحية بالنسبة لمسيحيى الشرق، خاصة إثيوبيا التى تمثل أهمية استراتيجية لمصر، والتى كانت كنيستها تابعة للكنيسة المصرية، حينها تجسدت فكرة إنشاء كاتدرائية كبرى جديدة تليق بوضع مصر وكنيستها التى يتبعها ملايين المسيحيين فى الشرق. وعندما صارح البابا كيرلس الرئيس عبدالناصر بذلك رحب الرئيس وخصص ١٠٠ ألف جنيه لبناء الكاتدرائية. وأثناء زيارة البابا له استدعى عبدالناصر أبناءه وأخبر البابا بأن أبناءه ادخروا فى «الحصالة» مبلغاً رمزياً ليتبرعوا لبناء الكاتدرائية، فبسط البابا منديله فى يده وتلقى من الأطفال جنيهاتهم القليلة فى حفاوة شديدة.
استهل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر خطابه للكنيسة والشعب فى ٢٤ يوليو ١٩٦٥ أثناء وضع حجر الأساس للكاتدرائية المرقسية الجديدة بحى العباسية قائلا «أيها الإخوة: يسرنى أن أشترك معكم اليوم فى إرساء حجر الأساس للكاتدرائية الجديدة. وحينما تقابلت أخيرًا مع البابا فى منزله فاتحته فى بناء الكاتدرائية، وأن الحكومة مستعدة للمساهمة فى هذا الموضوع. ولم يكن قصدى من هذا المساهمة المادية فالمساهمة المادية أمرها سهل وأمرها يسير، ولكنى كنت أقصد الناحية المعنوية»، حسب نص الكلمة التى سجلها موقع الرئيس جمال عبدالناصر بمكتبة الإسكندرية. وفى حفل افتتاح الكاتدرائية يوم الثلاثاء ٢٥ يونيو ١٩٦٨ كانت الكاميرات تلتقط صورا للبابا كيرلس بين الزعيم جمال عبدالناصر والإمبراطور هيلاسلاسى إمبراطور إثيوبيا، لتسجل الزيارة الثانية لعبدالناصر إلى المقر البابوى.
٣ سنوات مرت ورحل عبدالناصر ولحق به البابا كيرلس السادس، وصعد لسدة الكرسى البابوى البابا شنودة الثالث، مرت سنوات من الصراع المكتوم بين الطرفين حتى جاءت الزيارة الأولى والأخيرة للرئيس السادات إلى الكاتدرائية وسجلتها عدسة المصور فاروق إبراهيم، فى صورة منشورة بتاريخ ١٢ أكتوبر ١٩٧٧. ظهر فيها البابا شنودة وهو يؤدى صلاته بالتزامن مع صلاة الظهر التى أداها الرئيس السادات ونائبه وقتها حسنى مبارك، وممدوح سالم، رئيس الوزراء آنذاك. السادات لم يزر الكاتدرائية مرة أخرى حتى جاءت قرارات سبتمبر التى حدد فيها السادات إقامة البابا وسحب التصديق على قرار تعيينه كبابا للكنيسة الأرثوذكسية، وعين لجنة من ٥ أساقفة لإدارة شؤون الكنيسة، قبل أن تنتهى الأزمة عقب اغتيال السادات فى أكتوبر ١٩٨١.
بمرور الوقت تغيرت العلاقة بين رأس الدولة ورأس الكنيسة، حتى انتهت فى عهد الرئيس المعزول حسنى مبارك بأن أصبح الملف القبطى فى يد جهاز أمن الدولة، ولم يزر الكنيسة إلا مرتين لتأدية واجب العزاء. المرة الأولى التى زار فيها مبارك الكاتدرائية كانت لحضور قداس الجنازة فى يناير عام ٢٠٠٠، لتأدية واجب العزاء فى الفريق فؤاد عزيز غالى قائد الجيش الثانى الميدانى فى حرب أكتوبر، والزيارة الثانية كانت فى قداس جنازة المستشار حنا ناشد عضو المكتب السياسى للحزب الوطنى المنحل، ورئيس مجلس الدولة الأسبق وذلك بمقر الكنيسة الأرثوذكسية بالكاتدرائية بالعباسية يوم ٢٠ ديسمبر ٢٠٠٦، بصحبة لفيف من رجال الدولة وأعضاء الحزب الوطنى المنحل.
قامت الثورة بآمال أن يغير أول رئيس مدنى منتخب علاقته بالكنيسة المصرية، لكن العام الذى تولى فيه محمد مرسى حكم مصر قبل أن يتم عزله فى ٣ يوليو ٢٠١٣ لم يشهد أى زيارة تزامنا مع فتاوى أطلقتها التيارات الإسلامية التى ينتمى لها المعزول، بشقيها السلفى والإخوانى، بتحريم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، قبل أن يبادر الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور بأول مبادرة لرئيس مصرى لتقديم التهنئة إلى المسيحيين فى عيد الميلاد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية.